شباب عالهوا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شبابي يحتوي على كل ما يلزم للمجتمع


    ||¤|| الفنان الذي لا «يمثّل» في تمثيله ||¤||

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 147
    تاريخ التسجيل : 07/02/2010

    ||¤|| الفنان الذي لا «يمثّل» في تمثيله ||¤|| Empty ||¤|| الفنان الذي لا «يمثّل» في تمثيله ||¤||

    مُساهمة  Admin الإثنين فبراير 08, 2010 10:20 pm

    * بسم الله الرحمن الرحيم *

    * السلام عليكم ورحمة الله وبركاته *

    دمشق
    تشرين الثقافي دراما
    هيثم حسين


    قلّما استطاع فنّان أن يخوض غمار عدّة مجالات فنّيّة بشكل ناجح، كما خاضها الفنّان حاتم علي، الذي جيّر إبداعه وبراعته في كلّ فنّ لحساب الآخر، مخرجاً في النهاية شخصيّة فنّيّة متكاملة، يدعم فيها كلّ جانب جوانب أخرى، حتّى يستقيم الإبداع ويكتمل، فمن الكتابة إلى التمثيل إلى الإخراج، ثمّ مُزاوجاً فيما بين التمثيل والإخراج في أكثر من عمل، أو بين الكتابة والإخراج.. منتقلاً من الكتابة إلى المسرح إلى السينما.. هذا ما يعدّ من السمات المميّزة، التي اجتمعت في شخصيّته، ليكون الفنّان المثقّف، لا يطرق التمثيلَ تمثيلاً، بل هاجساً عن وعي وخبرة وذكاء، ولا يمكن فصل جانبٍ عن آخر.

    أدّى الفنّان حاتم علي العديد من الأدوار المهمة، وليس بالضرورة أن يعني الدور الهامّ، ذاك الذي يأخذ حيّزاً كبيراً، أو عدداً أكثر من المشاهد، بل يعني ذاك الدور الذي يمنحه مؤدّيه البعد الذي يقرّبه من المشاهدين، ويظهره حقيقيّاً، واقعيّاً، غير متكلَّف، وهو كونه مخرج بعض الأعمال التي شارك فيها كممثّل أيضاً، فإنّه لم يحتكر لنفسه الدور المحوريّ البطوليّ، مع أنّه كان باستطاعته أن يختار ذلك، وما كان ليناقَش في اختياره، بل نجده يختار أدواراً قد يعدّها البعض ثانويّة بالمقارنة مع دور البطولة المطلقة، مؤثراً نجاح العمل الكلّيّ، على امتيازه الفرديّ، لأنّ العمل الذي يأتي نتاج جهد جماعيٍّ، وببصمة مخرجه، يكون أبلغ تاثيراً من دور معيّن، علاوة على أنّه كمخرج، يتمتّع بعين فاحصة، يستكنه الدور الذي سيبرع فيه، من دون أن يقع في فخّ التنميط، أو تلبيس ما لا يناسبه، من أدواره في أعماله التي أخرجها، نجده في مسلسله «عصيّ الدمع» الذي أدّى فيه دور «سميح»، فضّل الاحتفاظ بدور، ربّما بدا أقلّ شأناً من دور رياض، لكنّه في الحقيقة دور منتقىً بذكاء، متوافق مع شخصيّته، ملائم للسياق العامّ للعمل، وكذلك كان دوره الهامّ «رشدي» في مسلسل «التغريبة الفلسطينية» الذي يظهر ملاصقاً لماضيه، حيث كان قد عاش تجربة مريرة في التهجير الذي تعرّض له من قبل مع أهله، وقد بدا فيه بعيداً عن «التمثيل»، كأنّه لم يكن يمثّل، بل يعيش الشخصيّة بكلّ جوارحه، قلباً وقالباً، صادقاً فيما كان يعانيه، وما ينقله من معاناة، وقد يكون عمله في «التغريبة الفلسطينيّة» الأكثر قرباً منه، إخراجاً وتمثيلاً، لكثير من الأسباب، منها تعرّضه لتجربة مماثلة، الجرأة في الطرح، المشهد الواسع المعالَج، إضافة إلى الانتقال بالمشاهد إلى زمن الجريمة، ودفعه إلى اتّخاذ موقف ممّا حصل، ويحصل، لا الاكتفاء بالمشاهدة فقط، أي نقل مشاهده من مرحلة التلقّي إلى التفاعل معه، وهذا ما لا يتسنّى للكثير من الفنّانين، الذين يكتفون بالعرض، من دون التغلغل في قلوب وعقول المشاهدين.. وكان حاتم علي قد لعب أدواراً منوّعة في الأجزاء التي أخرجها من مسلسل «مرايا» مع الفنّان ياسر العظمة، «مرايا 98»، «مرايا 99»، حيث تقمّص عدّة شخصيّات، في عدد من اللوحات المقدَّمة. ‏

    تحتفظ ذاكرة الناس للفنّان حاتم علي بأدوار برع فيها مع مخرجين آخرين، وقد كان فيها منوّعاً، على الرغم من أنّه شابها في البداية بعض التردّد، ثمّ كانت الانطلاقة، من تلك الأدوار مثلاً، دوره في مسلسل «الغريب والنهر» مع المخرج هشام شربتجي، حيث لعب دور معلّم في قرية نائية، تربطه علاقة حبّ عاصف مع فتاة من القرية، لعبت دورها الفنّانة يارا صبري، تنتهي الأحداث بعد سيل من المشكلات والاعتراضات بمقتله. تمكّن عبر ذاك الدور من اكتساب جماهيريّة واسعة، لإقناعه ومصداقيّته.. كما أنّه لعب أدواراً رئيسة في مسلسلات معاصرة، جسّد دوراً بارعاً في مسلسل «قوس قزح» مع المخرج هيثم حقي، كان الأستاذ الجامعيّ، الملتزم مع عائلته، وطلابه، غير منساق للضغوط من مختلف الأطراف، هادئاً رزيناً، يكاد المشاهد يشكّ بأنّه إنّما يعايشه في واقعيّته، كذلك كان دوره الصعب المركّب في «الرجل سين» من إخراج علاء الدين كوكش، وقد جاءت صعوبة الدور، من تعقيده، جسّد فيه شخصيّة رجل يفقد ذاكرته، لا يذكر شيئاً من ماضيه، تتكفّل بتطبيبه طبيبة شابّة، جسّدت دورها الفنّانة فرح بسيسو، كانت رؤوماً به، تطبّ له كمن طبّ لمن حبّ، تنشا بينهما علاقة حبّ، يذكره بعد استرجاعه لذاكرته، يكون المحبّ الذي يحتفظ بالحبّ مع احتفاظه بالذاكرة، أثناء ذلك، وقبله، كان يتعرّض لكثير من الحالات النفسيّة التي كانت تحتاج أداءً خاصّاً، وتغلغلاً في حالة الشخصيّة الداخليّة، والتمكّن من رسم الملامح الظاهريّة الواجبة، وإتقانها.. كان الحبّ منعشاً للذاكرة، أقوى من المرض، أشدّ رسوخاً من الصدمة، غير مفقود مع ما يفقد عند استرجاع الذاكرالمفقودة.. وكان قد مثّل في «هجرة القلوب إلى القلوب» مع المخرج هيثم حقّي، «كهف المغاريب» مع غسان جبري، كما مثّل في: «الكابوس»، «الخشخاش»، «زيارة خاطفة والسلام»، «أصوات خافتة»، إضافة إلى عدد من الأعمال الأخرى.. ‏

    ولم يكتفِ الفنّان حاتم علي بالأدوار المعاصرة، بل خاض، بالموازاة مع كثير من الأدوار التي جسّدها، تجارب الأدوار الفانتازيّة أيضاً، وأخذ نصيبه الذي لم يكثر منها، لكنّه واكب موجتها، فأدّى في مسلسل «الجوارح» مع المخرج نجدة إسماعيل أنزور دور «شهاب»، وكان منسجماً معه، كذلك كان في «العبابيد» مع المخرج بسام الملا.. يساعده في تأدية أدواره في الأعمال التاريخيّة والفانتازيّة امتلاكه ناصية اللغة العربيّة الفصيحة، التي لا تنقاد للكثيرين، كما تساعده ثقافته وسعة اطّلاعه، وولعه التاريخيّ الذي تجلّى في أعماله اللاحقة التي أخرجها، من دون أن يمثّل فيها، كأنّه لم يجد وقتاً ومجالاً للتمثيل فيها، أو كأنّه لم يرد إقحام نفسه في دور قد لا يتوافق مع شخصيّته، مع عدم إغفال تمكّنه من أداء الأدوار المتناقضة.. ‏

    على الرغم من غلَبة الجانب الإخراجيّ على الجانب التمثيليّ عند الفنّان حاتم علي في الفترة الأخيرة، لكنّه يختلس بين العمل والآخر لحظات للعودة إلى الولع التمثيليّ عنده، والذي ساعده على التميّز في عمله الإخراجيّ، باعتباره مدركاً لطاقات الممثّل، وواعياً لكيفيّة استخراجها بالطريقة الأنسب، والاستفادة منها، وكذلك إدارة الممثّلين، لأنّه يعلم دقائق المهنة، وتفاصيل وملابسات العمل من جوانبه كلها.. هو الذي لا «يمثّل» في تمثيله، بل يصل إلى درجة التوحّد مع الشخصيّة المؤدّاة.. ومن هنا فإنّه يحقّق الغاية من عمله التمثيليّ، الذي يتكاتف مع عمله الإخراجيّ والكتابيّ، وهي تصوير القضايا الإنسانيّة، والدفع إلى اتّخاذ مواقف إزاءها.‏



    دُمْتم في رعَايَة اللهِ وَحِفظِه.

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 7:09 am